قراءة تحليلية في اتجاهات ومؤشرات التبادل التجاري والاستثماري بين روسيا والدول العربية (2010-2021)
يتناول هذا المقال دراسة شاملة وتحليلًا لحجم التبادل التجاري والاستثماري بين روسيا والدول العربية خلال الفترة الممتدة من 2010 حتى 2021. تغطي الدراسة 19 دولة عربية من أصل 22 دولة، مع التركيز على الخصائص والتحديات التي تحيط بالعلاقات الاقتصادية بين الجانبين.
تتمتع العلاقات بين روسيا والدول العربية بتاريخ معقد يعود إلى عهد الاتحاد السوفيتي، حيث أثرت الأزمات السياسية والإقليمية المتلاحقة على تكوين خصوصيات هذه العلاقات، خاصة الاقتصادية منها. ورغم أن العلاقات الاقتصادية شهدت تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، إلا أنها لم تصل إلى المستوى المنتظر بسبب استمرار تأثير عوامل سياسية وجيوسياسية وصعوبات اقتصادية قائمة بين الطرفين.
رغم العلاقات الراسخة التي تربط دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية بالدول العربية على مدار عقود، والمنافسة القوية التي تمارسها هذه الدول على الأسواق العربية، بالإضافة إلى ظهور الصين كلاعب اقتصادي فاعل، تشكل هذه العوامل تحديات كبيرة أمام روسيا لتعميق علاقاتها الاقتصادية مع المنطقة. إلا أن حالة التوتر المستمرة بين الغرب وروسيا والجمود في مجالات التجارة والاستثمار بينهما تتيح فرصة واسعة للدول العربية لتبرز كشريك اقتصادي حيوي ورئيسي لروسيا.
حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول العربية


خلال الفترة من 2010 إلى 2021، شهد حجم التبادل التجاري بين الطرفين زيادة ملحوظة، إذ ارتفعت القيمة الإجمالية من حوالي 9 مليارات دولار في عام 2010 إلى ما يقرب من 20.7 مليار دولار في 2021، بزيادة نسبتها تزيد عن 128%. ومع ذلك، تظهر بيانات التبادل التجاري تباينًا كبيرًا بين الدول العربية؛ فمصر، الإمارات العربية المتحدة، والسعودية تبرز كدول ذات قيمة تبادل تجاري مرتفعة وثابتة نسبيًا، في حين سجلت دول أخرى تقلبات أكثر.
في عام 2010، كانت مصر الشريك التجاري الرئيسي لروسيا بنسبة تبلغ قرابة 32% من إجمالي التبادل الروسي-العربي، تلتها المغرب (11%) والسعودية (10%). وفي 2021، شكلت مصر والإمارات معًا حوالي 53% من إجمالي التجارة الروسية مع الدول العربية، بنسبة 27% و 26% على التوالي، تليهما السعودية (12%)، المغرب (9.6%)، والجزائر (7.2%). أما باقي الدول العربية، فكان حجم تجارتها مع روسيا محدودًا لا يتجاوز مجتمعة 18% من إجمالي التبادل.
كما شهد حجم التجارة بين روسيا وكل من الإمارات العربية والجزائر نموًا ملحوظًا مابين (2010 - 2021)، ليرتفع من 5% إلى 26% مع الامارات، ومن 4.7% إلى 7.2% مع الجزائر.


الرسم البياني
رقم (1)
الصادرات العربية إلى روسيا:
الصادرات الروسية إلى الدول العربية:
تميل كفة الميزان التجاري لصالح روسيا مع كافة الدول العربية، أي أن حجم الصادرات الروسية إلى الدول العربية أكثر من حجم الواردات الروسية من الدول العربية. ويعود ذلك إلى أن روسيا تعتبر المصدر الرئيسي للموارد الطبيعية، وهي كذلك سلة غذاء العالم. وذلك بعكس معظم الدول العربية التي تفتقر إلى الموارد والإنتاج وتعتمد على الاستيراد لتغطية معظم احتياجاتها.


بلغ حجم الصادرات الروسية إلى الدول العربية حوالي 18.3 مليار دولار في 2021، مقارنة بـ8.2 مليار دولار في 2010، أي بزيادة قدرها 123%. ورغم ذلك، لا تلعب الدول العربية دورًا رئيسيًا في إجمالي الصادرات الروسية، إذ شكلت عام 2021 نحو 3.78% فقط من إجمالي صادرات روسيا للبلدان الأخرى. تأتي مصر والإمارات على رأس الدول المستقبلة للصادرات الروسية، حيث استحوذتا على أكثر من نصف تلك الصادرات.
يتفاوت هيكل الصادرات الروسية بحسب الدولة العربية المستقبلة، فبينما تتجه الصادرات إلى مصر نحو المواد الغذائية كالحبوب والنحاس والأخشاب، تتركز صادرات روسيا إلى الإمارات بشكل رئيسي على وقود الطائرات والمواد الخام المعدنية. بالإضافة إلى الآلات والمعدات الكهربائية والأسمدة والزيوت النباتية المصدرة إلى مختلف الدول العربية الأخرى.
حجم الصادرات الروسية إلى الدول العربية (2021-2010) مليون دولار
حجم الصادرات العربية إلى روسيا (2010 - 2021)


شهدت صادرات الدول العربية إلى روسيا نموًا متفاوتًا، وتتصدر كلا من دولة الإمارات ومصر قائمة الدول العربية من حيث قيمة المنتجات التي تم تصديرها إلى روسيا تليها المغرب ومن ثم السعودية. وتشكل قيمة صادرات هذه الدول قرابة 90 % من إجمالي صادرات الدول العربية المشمولة في هذه الدراسة.
تُعد المعادن والمواد الغذائية والمنتجات الكيميائية من أبرز السلع المتبادلة بين الجانبين، مع توقعات بزيادة حجم التبادل التجاري، خصوصًا بعد انضمام مصر والإمارات والسعودية إلى تحالف البريكس. وعلى الرغم من ذلك، يجب على جميع الأطراف بذل المزيد من الجهود لتعزيز وتطوير التعاون التجاري. فإن أفاق وفرص تعزيز الشراكة واعدة وخاصة بين روسيا وكل من دول المغرب العربي، وليبيا، والعراق، واليمن، وسوريا، والسودان.
يشكل النفط الخام ومشتقاته وكذلك الغاز الجزء الأكبر من حجم صادرات معظم الدول العربية. كما تعتمد الدول العربية على الاستيراد في مجالات المعدات الصناعية والآلات والسلع الاستهلاكية ، الأمر الذي يفسر الحجم الضئيل للصادرات العربية إلى روسيا مقارنة بإجمالي صادراتها العالمية.
الاستثمار:
فيما يخص الاستثمار بين المنطقتين، شهدت السنوات العشر الماضية إطلاق عدة صناديق استثمارية مشتركة وآليات للتعاون، منها:
1- تأسيس آلية استثمار مشتركة عام 2012 بين صندوق الاستثمار الروسي المباشر وهيئة الاستثمار الكويتية باستثمارات تبلغ مليار دولار.
2- إطلاق صندوق استثماري روسي-قطري عام 2014 بمبلغ 2 مليار دولار.
3- تأسيس صندوق استثماري روسي-سعودي عام 2015 مع التزام استثماري بـ 10 مليارات دولار.
4- إنشاء صندوق روسي-إماراتي عام 2013 بقيمة 2 مليار دولار.
5- تعاون استثماري روسي-بحريني منذ 2014، شمل مشاريع صناعية متقدمة مثل تصنيع مطعوم سبوتنك المضاد لكوفيد-19.
أما الاستثمارات العربية في روسيا، فجاءت الإمارات وقطر في مقدمة المستثمرين، بعد أن شكّل حجم استثماراتهما معًا نحو 93% من إجمالي الاستثمارات العربية في السوق الروسية. سجلت قطر قفزة نوعية كبيرة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، محققة نسبة تتراوح بين 68% من إجمالي تدفق الاستثمار العربي إلى روسيا، متفوقة بذلك على الإمارات.
تُعدّ استثمارات قطر في السوق الروسية، والتي تتجاوز 2 مليار دولار عبر صندوق استثماري مشترك، من أبرز الأمثلة على تعزيز التعاون الاقتصادي. كما تمتلك قطر نحو 19% من أسهم شركة النفط الروسية "روسنفت"، إلى جانب استثماراتها في قطاعات البنوك والتعدين وإنتاج الماس.
خلاصة:
تشير المؤشرات إلى أن علاقات التعاون التجاري والاستثماري بين روسيا والدول العربية لا تزال محدودة وغير متوازنة، لكنها تتطور بشكل إيجابي مع مصر والإمارات وقطر، سواء من حيث حجم الاستثمار أو التبادل التجاري. وعلى الرغم من التحديات والمنافسة الشديدة التي تمارسها دول الغرب والصين في الأسواق العربية، إلا أن الفرص واعدة لتطوير العلاقات الاقتصادية وتعميقها لتشمل المزيد من الدول العربية، خاصة في مناطق المغرب العربي، ليبيا، العراق، اليمن، سوريا، والسودان.
إن تعزيز التعاون الاقتصادي بين روسيا والدول العربية يتطلب مواصلة الجهود لتوسيع الشراكات وتفعيل آليات الاستثمار المشترك، مستفيدين من الظروف الجيوسياسية الجديدة والفرص الاقتصادية المتاحة.
بهذا، يمكن للعلاقات الاقتصادية أن تشهد نقلة نوعية ترفع من مستوى التبادل التجاري والاستثماري وتدعم التنمية المستدامة في كلا الطرفين.


حجم تدفق الاستثمارات الروسية إلى الدول العربية (2010 - 2021)


حجم تدفق الاستثمارات العربية إلى روسيا (2010 - 2021)
على صعيد التدفقات الاستثمارية الروسية إلى الدول العربية، تُظهر البيانات الرسمية لبنك روسيا المركزي أن معظم الاستثمارات إلى الدول العربية تندرج تحت بند السرية، مما يصعب تقييم حجمها بدقة. كما تشير بيانات "المركز التجاري الدولي" إلى محدودية الاستثمارات الثنائية خلال الفترة (2010-2021)، حيث تشمل فقط ثماني دول عربية: الإمارات، قطر، السعودية، الكويت، مصر، العراق، الأردن، ولبنان.
من حيث حجم الاستثمارات الروسية المتراكمة في الدول العربية، تشكل فقط نحو 0.29% من إجمالي الاستثمارات الروسية الخارجية خلال الفترة المذكورة. ومنذ عام 2010، تراجعت الاستثمارات الروسية في العراق ولبنان بشكل كبير، في حين حافظت الإمارات على تدفقات استثمارية ملحوظة، حيث استحوذت وحدها على 96% من إجمالي استثمارات روسيا في الدول العربية عام 2021.